Wednesday, November 24, 2021

جريدة الراية: ما وراء توتير العلاقات بين الجزائر والمغرب؟! جـ2

 جريدة الراية: ما وراء توتير العلاقات بين الجزائر والمغرب؟! جـ2

 

19 من ربيع الثاني 1443هـ   الموافق   الأربعاء, 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2021مـ

أما الأزمة اليوم فوَصْلُها بقضيتها الأم فالخلفية والجغرافيا هي قضية الصحراء، بعد الذي استجد عليها بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء ومباركة بريطانية حيث وُصف القرار الأمريكي بـ"جيد للغاية" و"مشجع للغاية"، وقد سبق الاعتراف الأمريكي تغلغل بريطاني في الصحراء عبر شركاتها ومشاريعها واستثماراتها، كان أبرزها مشروع "إكس لانكس" للطاقة الشمسية والريحية بقيمة 18 مليار جنيه إسترليني وهو الأضخم من نوعه عالميا لربط الصحراء المغربية بالجزيرة البريطانية عبر الكابل المار في أعماق البحر.

وهكذا وجدت بريطانيا في الاعتراف الأمريكي فرصتها للتحول من سياسة الاحتواء إلى التصفية التامة لورقة البوليساريو وطي ملف الصحراء نهائيا. وبناء عليه بدأت الأدوات في نهج سياسة تصفية الملف بتصفية ورقة البوليساريو أي اقتلاع الشوكة الأمريكية.

فكانت السياسة التي رسمتها بريطانيا للمغرب داخل أفريقيا خدمة لاستعمارها، والتي من تفاصيلها نزع الشرعية والصفة التمثيلية للبوليساريو مع حشد الدعم والتأييد لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء كحل نهائي دون تقرير المصير أي دون الانفصال على المغرب، وقد ظهرت نتائجها عبر افتتاح 34 قنصلية وممثلية دبلوماسية بالصحراء.

أما بالنسبة للجزائر فتصفية الملف كان من مقدماتها تصعيد التوتر مع المغرب لانتزاع المبادرة من جبهة البوليساريو التي كانت أعلنت العودة لحمل السلاح ضد المغرب وتنصلت من اتفاق وقف إطلاق النار بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وبالتالي شل حركتها وتحويل الملف من ملف المغرب البوليساريو إلى ملف المغرب والجزائر، أي يصبح الملف ورقة سياسية تمسك بخيوطها كلية بريطانيا وتحدد المسار والهدف لقطع الطريق على أمريكا.

هذا عن السياق العام، أما التفاصيل للأحداث والوقائع الجارية فتفهم بحسب سياقها وظرفها. فقد اندلعت الأزمة الحالية المصطنعة بُعيد الاعتراف الأمريكي واتخذت لها ذرائع من برنامج التجسس لكيان يهود وتصريح ممثل المغرب، أعلن بعدها وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب مع استمرار البعثتين القنصليتين في عملهما بالوتيرة نفسها، أما عن الظرف والسياق لتقديم ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة عمر هلال ورقة إلى حركة عدم الانحياز يدعوها لمعالجة ما وصفه بتصفية الاستعمار في منطقة القبائل، ففضلا عن طبيعة الجهة التي سُلمت لها تلك الورقة اليتيمة التي لم يكن لها أي سابقة وهي حركة عدم الانحياز التي لم يعد لها أي أثر في السياسة الدولية، فالظرف كان ظرف حراك أهل الجزائر وامتداد اليد الفرنسية إليه عبر حركة "ماك" المرتبطة بفرنسا قلبا وقالبا وتسعى لفصل منطقة القبائل عن الجزائر، فكان تصريح ممثل المغرب لدى الأمم المتحدة بمثابة إدانة لحركة "ماك" وإلباسها التهمة كاملة حيث صنفها النظام الجزائري كحركة إرهابية تتلقى الدعم من كيان يهود عبر المغرب ثم اتهمها بالحرائق الضخمة لشرق الجزائر، أي أن النظام المغربي أسدى لنظيره الجزائري خدمة لقطع اليد الفرنسية التي امتدت لحراك أهل الجزائر.

أما إغلاق المجال الجوي الجزائري في وجه الطيران المغربي فهو فرع عن الصفعة التي وجهتها بريطانيا إلى فرنسا بعد مغامرتها في تونس، فقد أوعزت بريطانيا للجزائر إغلاق الأجواء أمام الطيران العسكري الفرنسي المتجه إلى مالي والساحل في إطار عملية "برخان" العسكرية الفرنسية التي تعاني أصلا من مشاكل جمة، ما جعل إغلاق الأجواء ضربة موجعة. وجاء بيان الرئاسة الجزائرية أن "قرار الإغلاق جاء لتصحيح خطأ استراتيجي"، وكان إغلاق الأجواء أمام الطيران المغربي هو في حقيقته قطع لطريق الإمدادات عن الفرنسيين في محاولة استغلالهم لخطوط الطيران المغربي للإمداد والتموين.

أما القرار الذي أصدره الرئيس عبد المجيد تبون بعدم تجديد عقد استغلال خط أنبوب الغاز الذي يزود إسبانيا مرورا بالمغرب والاقتصار على الخط البحري لأنبوب الغاز ميدغاز الذي وضع في الخدمة عام 2011، علما أن عقد العمل المبرم بين الجزائر والمغرب لنقل الغاز قد انتهت مدته في منتصف ليل 21 تشرين الأول/أكتوبر 2021. فمتى عُلم أن خيارات التصدير الأخرى لدى الجزائر مكلفة سواء أنبوب الخط البحري أو تقنية الغاز الطبيعي المسال والشحن عبر السفن، فالذي يفسر هذا الإجراء هي السياسة الاستعمارية البريطانية، فيُقرأ ويفهم في سياق ما يحدث على الساحة المغربية من تعاظم كَلَبِ المستعمر البريطاني وتغوله في السيطرة على ثروات البلد، فقد تسارعت وتيرة الاتفاقيات والعقود والاستثمارات والتنقيب والاستغلال في قطاعي الطاقة والمعادن بالمغرب، وقد بدأ التسويق لغاز حقل تندرارة شرق المغرب والذي تستغله الشركة البريطانية ساوند إنيرجي وقد أعلنت أنها وقعت عقد بيع لغاز الحقل في 29 تموز/يوليو 2021 مدته 10 سنوات مع شركة أفريقيا غاز (مديرها العام الوزير الأول المغربي أخنوش من دائرة القصر الضيقة)، ثم هناك حقل الغاز الموجود في منطقة لكسوس ساحل العرائش والذي يفوق احتياطه 2.2 تريليون قدم مكعب من الغاز والذي تستغله شركة شاريوت البريطانية، كما أعلنت شركة أوروبا أويل أند غاز البريطانية عن اكتشاف احتياطات ضخمة من الغاز بسواحل أكادير جنوب المغرب. ما يعني أن عدم تجديد عقد خط أنبوب الغاز الذي انتهت مدته هو خدمة للمستعمر البريطاني لتسويق نهبه من غاز المغرب وبيعه في الداخل المغربي وخارجه، ثم هي خدمة مسداة من النظام الجزائري لنظيره المغربي في التعمية عن نهب المستعمر البريطاني لثروات المغرب، وإخراج فسخ العقد وعدم تجديده على شكل أزمة حتى لا تُعلم مبرراته وخفاياه والتي ما كانت إلا كَلَبا وتوحشا استعماريا، في الوقت الذي يئن فيه أهل المغرب من قهر الفاقة وغلاء الأسعار وعطالة الشباب وعنوسة النساء وضنك العيش.

هذا عن الظاهر والخفي من الأزمة والخلفية والنسق والظرف فضلا عن تلك الإجراءات الخفية التي يتم اتخاذها لاقتلاع الشوكة الأمريكية كالاستعداد لبدء استغلال منجم غار جبيلات للحديد الواقع قرب مخيم "الداخلة" في تندوف، حيث أمر الرئيس تبون بالشروع في استغلال المنجم شهر تموز/يوليو 2020، ما يضيق الخناق على جبهة البوليساريو ومخيماتها علما أن النظام الجزائري يقيد حركة سكان المخيمات ويقيد عملهم في الداخل الجزائري. ثم كان بيان الجيش لترسيم الحدود مع جبهة البوليساريو بمثابة إعلان أن مخيمات تندوف لم تعد لكم مقرا ومستقرا ما زاد من ضيق الخناق، حتى تقبل الجبهة بالمطروح اليوم على الطاولة مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، ثم بعدها صرح النظام الجزائري أنه يقبل بما يقبل به الشعب الصحراوي.

هي السياسة الاستعمارية ما كانت إلا أحابيل شيطان وكيانات الوظيفة الاستعمارية وحكامها خدمه وأعوانه، وفي شؤم صنيعهم وحقارة وظيفتهم الاستعمارية وقبح خيانتهم يُدفع الثمن من مصالح هذه الأمة وقضاياها المصيرية ومن قوت وكد وجهد أبنائها وثروات بلادهم.

يا أهلنا في الجزائر والمغرب: أما آن لكم التخلص من دويلات الضرار وحكامها الخونة الذين يسومونكم سوء العذاب ويقطعون أرحامكم ويسعون في بغضائكم وعداوتكم؟! أما اشتقتم لحياة عزكم يوم كانت خيول أسلافكم تنطلق من مراكش لدك حصون أوروبا انتصارا لدينكم وأمتكم؟! أما اشتقتم لأسطولكم العظيم بإيالة الجزائر يمخر عُباب البحر جولة وصولة باسم الله مجراه ومرساه؟! أما آن لكم أن تعيدوا سيرتكم الأولى سيرة عزكم ومجدكم وحياة رفعتكم وتستأنفوا ما انقطع باستئناف حياتكم الإسلامية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة تلم شعثكم وتوحد صفوفكم وتحمي بيضتكم ويعز بها جانبكم وترضون بها ربكم فيرضى عنكم؟! ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾.

بقلم: الأستاذ مناجي محمد

No comments:

Post a Comment