Wednesday, April 21, 2021

جريدة الراية: موكب المومياوات يسحق الفقراء ويمتص دماءهم

 جريدة الراية: موكب المومياوات يسحق الفقراء ويمتص دماءهم

 

9 من رمــضان المبارك 1442هـ   الموافق   الأربعاء, 21 نيسان/ابريل 2021مـ

في قلب مدينة القاهرة وفي احتفالية كبرى من حيث البذخ والإنفاق جابت نحو 22 مومياء ملكية مصرية فرعونية، شوارع المدينة منطلقة من المتحف المصري العريق قرب ميدان التحرير الشهير، وصولا إلى المتحف القومي للحضارة المصرية في الفسطاط جنوب العاصمة، حيث ستستقر في انتظار افتتاح المتحف الحديث للزوار والسياح، في الثامن عشر من الشهر الجاري، بالتزامن مع يوم التراث العالمي. (أورينت)، هذه الاحتفالية التي تكلفت أموالاً طائلة تحملتها خزينة الدولة التي فتحت لهذا العمل بلا حساب وكأن هذا ما يحتاجه الفقراء أو أنه ما سيسد جوعة بطونهم ويكفيهم التفتيش في قمامة الأغنياء بحثا عما يشبع بطون أطفالهم!

كشف وزير الآثار المصري أن إنشاء متحف الحضارة بعين الصيرة وحفل وموكب نقل المومياوات "تكلف أموال كثير قوي قوي قوي قوي قوي، بتوجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية"، بحسب قوله، وأضاف أن تكلفة المتحف الكبير وحده - حتى الآن - والذي سيتم افتتاحه العام القادم تتجاوز 15 مليار جنيه، وأوضح الوزير أن الصرف على الآثار غير مسبوق، ومن ميزانية الدولة، وأشار إلى أنه رفض الحديث عن المصروفات وهو يخاطب العالم، نعم فهو هنا يخاطب العالم، بينما يمر هذا الموكب فوق مناطق في قلب القاهرة قهر النظام أهلها وهدمها فوق رؤوس ساكنيها وعلى ضواحيها وبطول مصر وعرضها مآس أكبر من أن تسرد في معرض حديث.

خطاب العالم في نظر هؤلاء أهم من توفير الطعام والسكن والملبس للناس، بل تجبى أموالهم ومدخراتهم لتنفق هنا ولو كانت كل ما تبقى لديهم بينما حين يتعلق الأمر بالإنفاق على مصالح الناس ورعايتهم يخرج علينا رأس النظام بمقولات أصبح الناس يتندرون بها كمثل قوله (مش قادر أديك) و(محدش قلكم إن إحنا فقرا قوي) ومقولته الشهيرة الخاصة بتذاكر المترو التي ضاعفها على الناس (أنا كمان غلبان مش قادر)، بينما هناك حقيقتان في الأمر لا مراء فيهما؛ الأولى أن مصر بمواردها وثرواتها تستطيع أن تنفق وتتكفل بكل رعاياها بشرط توقف النهب والتفريط وإهدار هذه الثروة لصالح الغرب، وتمكين الناس من استغلال هذه الموارد وإنتاج الثروة منها وهذا ما لا يفعله النظام بل يمنعه، والثانية أن هذا النظام ينفق ببذخ شديد وبغير حساب على أمور أخرى لا حاجة للناس بها ولا تعنيهم ولن ينالهم منها خير، فما الذي سيعود على الناس من موكب المومياوات؟! ما الفائدة التي سيحصلها الفقراء، غير الحسرة على أموالهم التي تنفق بسفه؟ وما الفائدة التي تعود على الناس من مدينة الأشباح أو عاصمة السيسي ذات الأسوار وما يصاحبها من طرق وكباري لخدمتها وتسهيل الانتقال منها وإليها؟! ما الفائدة التي سيجنيها الناس من عاصمة لا يسكنها غير أرباب المال والأعمال والنخب ولا يسمح لعوام الناس بدخولها إلا لخدمة السادة شأنها شأن كل التجمعات السكنية الجديدة؟! بيوت وقصور لعلية القوم تحيط بها مساكن ضيقة محدودة المساحة والخدمات لعامة الناس لخدمة سكان القصور وتلبية حاجاتهم، هذا واقع يراه من عاش وسكن في تلك المدن والتجمعات الجديدة أو بالقرب منها، كما لا توجد دولة فقيرة تبني عشرات القصور الرئاسية أحدها أكبر من البيت الأبيض! فهل سيسكن الناس في تلك القصور؟ وما حاجة الدولة إليها وبطون أبنائها جائعة؟ ورحم الله عمر فلم يبن لنفسه قصرا في المدينة وكنوز كسرى وقيصر تحت قدميه، ولم يشتر لنفسه دابة ولا ثوبا من بيت المال مستأثرا به عن باقي المسلمين، ولم يزد لنفسه في العطاء عنهم، بل كان يقسم ما يأتيه على الناس على حد سواء وعندما شكره أحدهم اغتاظ وقال: "ما بال أقوام نعطيهم حقوقهم فيظنونها منة منا عليهم".

الحقيقة التي يجب أن يعيها أهل مصر أن ثروات بلادهم ومواردها هائلة وبحدودها القطرية فقط يكفي مورد واحد منها كي لا يبقى في مصر فقير واحد، ويكفي استغلال مساحتها القابلة للزراعة واستغلال طاقات شبابها المهدرة لكي تكتفي مصر ذاتيا ولا تستورد شيئا من غذائها، بل ستصدر للعالم قمحا وأرزا وغير ذلك، ناهيك عن النفط والغاز والذهب وباقي المعادن، فضلا عن دخل قناة السويس، ودون أي اعتبار لضرائب وجمارك ورسوم تجبى من الناس ولا يجوز أخذها منهم، بينما هي في الحقيقة المورد الرئيسي للنظام المفلس فكريا وإداريا، فلا يملك أي حلول حقيقية إلا عصاه الغليظة التي يلوح بها ويضرب من يبادر للاعتراض على قراراته الكارثية التي تعدت السفه وتستوجب الحجر، فأزمة مصر الحقيقية ليست الفقر بل هي في هذا النظام الذي حكمها لعقود لم تر مصر أسوأ منها أو مثلها منذ الفتح الإسلامي الذي حرر مصر وأهلها من استعباد الرومان ونهبهم لثروات الناس كما يفعل الغرب وعملاؤه الآن.

عندما تكلم السيسي منفعلا في السابق وقال (احنا فقرا قوي) مؤكدا أنه يصف المرض وكأن الفقر عيب أو مرض يجب علاجه، بينما الفقر هو أثر للمرض الحقيقي الذي تمكن من الأمة كلها وليس مصر وحدها وهو غياب سلطان الأمة ودولتها وتمكن الغرب منها وحكمها برأسماليته وأدواته المنفذين لها، والتي تمكنه من نهب الثروات والخيرات وإبقاء البلاد في ربقة تبعيته لأطول فترة ممكنة، ومعرفة الداء أقرب طريق لمعرفة الدواء، ودواء مصر والأمة بعمومها هو اقتلاع الرأسمالية بكل أشكالها التي تخادع الناس بها وبكل أدواتها التي تنفذها وتطبقها على الناس من الحكام العملاء ومن شايعهم، والانعتاق الكامل من التبعية للغرب الكافر المستعمر بكل أشكالها وصورها، واستبدال نظام الرعاية الوحيد بها، النظام الذي يضمن كفاية الناس ورفاهيتهم ورغد عيشهم بأحكام وقوانين تلزم الدولة والمتنفذين فيها برعاية الناس حق الرعاية في دولة تطبق عليهم الإسلام في الداخل وتحمله للعالم رسالة هدى ورحمة يخرج بها الله الناس من ظلمات الرأسمالية إلى نور الإسلام. اللهم هيئ لها ولحملة الدعوة إليها أنصارا كراما كأنصار الأمس يُعز بهم الإسلام وأهله، اللهم عجل بها واجعل مصر حاضرتها واجعلنا من جنودها وشهودها.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

بقلم: الأستاذ سعيد فضل

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

No comments:

Post a Comment