Monday, July 27, 2020

جريدة الراية: صراع الأدوات في تونس  إلى أين؟

جريدة الراية: صراع الأدوات في تونس  إلى أين؟

  1 من ذي الحجة 1441هـ   الموافق   الأربعاء, 22 تموز/يوليو 2020مـ
في بيان ختمه بالتهديد والوعيد، أعلن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ مساء الأربعاء 15 تموز/يوليو 2020م تقديم استقالته للرئيس قيس سعيد، في عملية استباقية لقطع الطريق أمام لائحة سحب الثقة منه، التي تقدم بها نواب النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة للبرلمان (105 نائباً) عملا بالفصل 97 من دستور التأسيسي، ليعيد من جديد للرئيس قيس سعيد أحقية أن يختار الشخصية الأقدر لخلافة رئيس الحكومة المستقيل، وفق ما ينص عليه الفصل 98 من الدستور، حيث انطلقت الخميس مفاوضات سياسية ماراتونية تمتد إلى عشرة أيام يقودها الرئيس قيس سعيّد بحثا عن مرشح لخلافة الفخفاخ من أجل نيل ثقة البرلمان عملا بالفصل 89 من الدستور.
وكان الرئيس قيس سعيد قد صعّد هجومه على رئيس البرلمان يوم الاثنين 13 تموز/يوليو في اصطفاف واضح مع رئيس الحكومة المتهم بالفساد وتضارب المصالح، ما دفع حركة النهضة للتسريع بتقديم لائحة سحب الثقة من رئيس الحكومة، واضطرّ هذا الأخير إلى تقديم استقالته مرغما بعدما أوهم الجميع هو وحلفاؤه من التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس على التمسك بالحكومة، ولم تمض سوى ساعات على إعلان الاستقالة حتى ردت هذه الكتل على حركة النهضة بتقديم لائحة تضم 73 نائبا لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي بات على صفيح ساخن بسبب توتر علاقته بالرئيس قيس سعيد وأحزاب التحالف الحكومي، في صراع مستمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلا عن التوتر الحاصل في البرلمان بسبب الصراع بين الكتل النيابية وسياسة الترذيل الممنهج الذي يتبعه بعض النواب خدمة لجهات أجنبية.
فوضى سياسية عارمة ومشهد سياسي متأزم صنعه دستور وضعي، أشرف عليه اليهودي الأمريكي نوح فيلدمان، دستور مليء بالفخاخ والتآمر، لا ينتج إلا حكومات تصريف أعمال، لا تملك إلا تنفيذ الأوامر الخارجية، ونخبة حاكمة متعفنة تمارس العبث السياسي، أدخلت البلاد في حلقة مغلقة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعدما خانت الثورة ومكنت للعابثين والفاسدين والساقطين، وسلمت مقاليد البلاد للسفراء الأجانب والثروات للشركات الاستعمارية الناهبة.
فهذا رئيس الدولة يتسول على أعتاب فرنسا الصليبية الحاقدة التي فتكت بأهلنا وقتلت رجالنا واغتصبت نساءنا ونهبت خيراتنا ولا زالت تمارس الوصاية علينا، فيبيض احتلالها لتونس لينال رضاها! وهذا رئيس الحكومة المستقيل، رضي بدور المناولة للشركات الغربية والمؤسسات المالية! أما البرلمان الفضيحة فقد مرر معاهدة مع المنظمة الفرنكوفونية لجعل أرض تونس قاعدة متقدمة لأهم الركائز الاستعمارية في شمال أفريقيا، بعدما أسقط لائحة اعتذار فرنسا عن جرائمها في تونس في مفارقة عجيبة غريبة! ثم بعد ذلك يمارسون مسرحية أنهم حكام وأن بلادنا مستقلة فيشغلوننا شهورا بتشكيل حكومة لن تكون إلا أداة بيد الدوائر الغربية!!
لقد حذر حزب التحرير مرارا وتكرارا من الانتخابات الرئاسية والنيابية في ظل التسلط والقهر والتبعية التي تعاني منها بلادنا، فما دامت بلادنا محتلة فإن معركة الحكم ضمن آليات الغرب وتحت إشرافه لا تأتي إلا بموظفي الدوائر الغربية، والحسم فيها لا يكون بالانتخابات وإنما بالدعم الخارجي، والمعركة الحقيقية تدور في أروقة السفارات الأجنبية بينما تكون الانتخابات مجرد غطاء، وعنصر تغلّف به عملية صناعة القرار لتبدو محلية وشرعية.
ليس واضحا تحديد توجه الرئيس التونسي لاختيار مرشحه، فمن ناحية دستورية له كامل الصلاحيات في أن يفرض شخصية ربما لا تفضلها الأحزاب، إلا أن المقطوع به هو أن هذا الاختيار لن يكون خارج دائرة الرضا الغربي، فقد فاجأ الرئيس الجميع في اختياره للشخصية الأقدر للحكومة المستقيلة، باختيار شخصية تحصلت على صفر مضاعف في الانتخابات التشريعية والرئاسية، لنكتشف فيما بعد أن رئيس الحكومة المستقيل، صاحب الجنسية الفرنسية، في معرض حديثه أثناء تسلمه مهام رئاسة الحكومة التونسية يوم 28 شباط/فبراير 2020م يصرح بأن سفيرة بريطانيا سألته يوم المعايدة التي تمت بقصر قرطاج يوم 22 كانون الثاني/يناير 2020م "كيف ستدير الأمور إذا تحصلت على ثقة البرلمان وأصبحت رئيس حكومة؟"، سؤال عرضي لكنه في عرف الغربيين اختبار للتوظيف "Entretien d’embauche".
وفي حال فشل مرشح سعيّد في كسب ثقة البرلمان بــ109 أصوات، ستتعزز فرضية المرور إلى انتخابات نيابية مبكرة نهاية عام 2020م، هذا إن لم تفاجئهم حركة تحريرية تصحيحية، تجتث الوسط السياسي المتعفن وتؤسس لحكم راشد يكون منطلقا للتغيير الحقيقي على أساس الإسلام، لتقلب الطاولة على الدوائر الغربية وأدواتها المحلية.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
بقلم: الدكتور الأسعد العجيلي
 رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس

No comments:

Post a Comment