Thursday, January 3, 2013

أبو عامر الراهب ومعاذ الخطيب والقيصر واهل الشام:


أبو عامر الراهب ومعاذ الخطيب والقيصر واهل الشام:

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية كلاما مهما عن علاقة أبي عامر الراهب بقيصر الروم عند تفسير آيات مسجد الضرار ومسجد التقوى من سورة التوبة فقال: {وإرصادا} لمن حارب الله ورسوله من قبل، وهو أبو عامر الراهب الفاسق قبحه الله، وذلك أنه لما دعاه رسول الله إلى الإسلام، فأبى عليه؛ ذهب إلى مكة فاستنفرهم، فجاؤا عام أحد فكان من أمرهم ما قدمناه، فلما لم ينهض أمره، ذهب إلى ملك الروم قيصر ليستنصره على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو عامر على دين هرقل ممن تنصر معهم من العرب، وكان يكتب إلى إخوانه الذين نافقوا يعدهم ويمنيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، فكانت مكاتباته ورسله تفد إليهم كل حين، فبنوا هذا المسجد في الصورة الظاهرة، وباطنه دار حرب ومقر لمن يفد من عند أبي عامر الراهب، ومجمع لمن هو على طريقتهم من المنافقين. ولهذا قال تعالى: {وإرْصادا لمنْ حارب الله ورسوله منْ قبْل}. ثم قال: {وليحْلفن} أي: الذين بنوه. {إنْ أردْنا إلا الْحسْنى} أي: إنما أردنا ببنائه الخير. قال الله تعالى: {والله يشْهد إنهمْ لكاذبون}. ثم قال الله تعالى إلى رسوله: {لا تقمْ فيه أبدا}. فنهاه عن القيام فيه لئلا يقرر أمره، ثم أمره وحثه على القيام في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم.
أيها الناس: إن ظاهرة أبي عامر الراهب لا زالت تتكرر في المسلمين منذ سقوط دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، وقد تعاقب علينا المئات بل الآلاف من أمثال أبي عامر الراهب، من دعاة الانفصال والاستقلال من القوميين والوطنيين والبعثيين والناصريين والعلمانيين والحداثيين والوسطيين والمعتدلين وغيرهم. وهذه الظاهرة تعيد نفسها اليوم في سوريا بشكل واضح وجلي، لا يعتريه شك أو غموض. ولما قامت دولة الإسلام في المدينة، كانت لأبي عامر الراهب الأول صلات بقيصر الروم، فأنتج له فكرة مسجد الضرار المذكورة في القرآن الكريم. ولما أوشكت دولة الإسلام أن تقوم في الشام، قام الشبيه الثاني لأبي عامر الراهب فيها، وصاحب الصلات بأميركا وروسيا وأحلافهما، وهو الإئتلاف الوطني السوري الذي أنتجه السفير الأمريكي فورد، وأنتج له فكرة دولة الضرار السورية المدنية الديموقراطية، في فنادق الدوحة وغيرها، ليعدوه للحكم ويدعموه بالمبادرات الدولية، في سباق محموم مع الزمن، خشية أن تسبقهم دولة التقوى، الخلافةُ الإسلامية، إلى عقر دار الإسلام الشام. وقد تصاعدت المبادراتُ السياسية المواكبة لفكرة ائتلاف الضرار هذا لحل الأزمة السورية بشكل لافت للنظر، وكان آخرها مبادرة أردوغان الشبيه الثالث لأبي عامر الراهب، صاحب الصلات الوثيقة بأميركا، وقد رضيت روسيا عن مبادرته! تماما كما فعل شبيههم الرابع في مصر إبّان أزمة غزة، وستجدون لهم شبيها خامسا وسادسا وعاشرا ومائة وألفا في كل ناحية من نواحي بلاد المسلمين، سرطانات تنخر أجسادنا، وآفات تدمر مقدراتنا، ومصادر تلويث دائم لبيئتنا الإسلامية وأجوائنا الإيمانية. وإن أبرز ما في خطة أوردغان هو أن يتنحى بشار عن السلطة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2013 وتسليم السلطة في المرحلة الانتقالية إلى هذا الائتلاف الوطني. وكل هذا من أجل أن يكون الائتلاف هو العميل البديل اللاحق للعميل بشار السابق! حيث أوشك الأخير على استنفاد دوره، فيلقون به إلى مهاوي الردى كما فعلوا بأشياعه من قبل {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
أيها الناس: هل يقبل المسلمون التنحي من حاكم طاغية مجرم قتل عشرات الآلاف وشرد الملايين ودمر وجرح وهتك الأعراض وتفنن في الأذى؟ لن نقبل والله إلا بإعدامه وإعدام من كان أداة لإجرامه، كي نعجل بهم إلى العزيز الجبار المنتقم، وليكونوا سلفا ومثلا للآخرين. ولن يكون مصير هذا الائتلاف، إن نجحوا في تثبيته لا سمح الله، أفضل من سابقيه من العملاء والخونة منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا، وسيلحق أصحاب ائتلافُ الضرار بأصحاب مسجد الضرار. ولن تذهب دماء الشهداء وأنات الجرحى ومعاناة الأسرى والثكالى هدرا بإذن الله، ولتعلمن نبأه بعد حين.
أيها الناس: إن الذي يقض مضاجع أمريكا وأحلافها هو إدراكهم أن ليس لائتلاف الضرار السوري أو لمجالس الضرار الأخرى التي تصنعها في الخارج الإسنادُ الشعبي اللازم في الداخل، لا من الناس الذين يرفعون راية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا من الثوار الصادقين المدافعين عن الناس في وجه النظام الآيل للسقوط قريبا بإذن الله. ولذلك فليس من المستبعد أن تعمد أمريكا إلى استصدار قرار من مجلس الأمن بقوات دولية تحمي الائتلاف بعد نقل سلطة بشار إليه، وليس مستبعداً كذلك أن تكون من مقدمات ذلك القرار أحاديثُ السلاح الكيماوي، وإثارةُ معالجة المشاكل الأمنية بعد بشار، وضجيجُ نصب الباتريوت، واتهامُ بعض الحركات الإسلامية في سوريا بالإرهاب، مع أن أمريكا هي أم الإرهاب في العالم! وقد آن الأوان لنقول للثوار المخلصين بأن هؤلاء المتآمرين من أعضاء ائتلاف الضرار وأسيادهم، {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ}. وهم قد مكروا مكرا، ومكر الله مكرا، وسترون بأعينكم كيف تكون عاقبة مكرهم، دمارا لهم ولقومهم أجمعين. فسوف تنفق أميركا وأحلافها المال السياسي الوفير، والعمل الدبلوماسي الكثير، وستحشد التحالفات العسكرية بشكل مثير، وتجيش الإعلام الشرير، وستلقي من القنابل والصواريخ آلاف القناطير، ولكنهم لن يتمكنوا من تحقيق أمانيِّهم الشيطانية في بلاد الشام عقر دار الإسلام. فهذا قرآننا يقرر مصيرهم من قبل أن نلقاهم أو نسمع عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ، أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}! فاللهم عجل بهلاكهم، وأرحنا من شرورهم، وأبدلنا خيرا منهم.
(الخطبة الثانية)
أيها الناس: لقد أوشك النصر أن يهل هلالُه، ولا يُخشى بإذن الله زوالُه، وها هي جحافل أهل النصرة تتقدم، وزمرة بشار وأعوانه تتقهقر، وإن النصر مع الصبر، وإن مع العسر يسرا. وشتان بين من يسير لتحقيق عز الدنيا والآخرة، طائعا لربه وخالقه، مخلصا لله دينه، وبين من يسير في ركاب أميركا وحلفائها من شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
أيها الثائرون المخلصون: أنتم أصحاب قوة، فكونوا لأشباه أبي عامر بالمرصاد، وأحبطوا عملهم وأفشلوا مخططهم، {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}، وانصروا الإسلام وأهله، وبايعوا العاملين للخلافة، وكونوا كالأنصار الذين نصروا الله سبحانه وبايعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، فرضي الله عنهم ورضوا عنه، واهتز عرش الرحمن لموت سيدهم سعد بن معاذ، وسارت الملائكة في جنازته، وكل ذلك إكراماً لهذا العمل العظيم الذي قام به سعد وقومه: نصرةً للهِ ورسوله والمؤمنين لإقامة حكم الإسلام. وأنتم تعلمون أننا قد قمنا بالعمل الدعوي لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على أنقاض هذا الحكم الجبري المتهاوي، وصبرنا عليه وقبضنا على جمره، ما وهنا لما أصابنا في سبيل الله ولا ضعفنا ولا استكنا، ولا فرطنا ولا ساومنا، فقوموا أنتم بالعمل النصروي لهذه الدعوة المباركة، كي تلتحم الدعوة بالمنعة فتقوم الدولة الإسلامية الثانية، كما التحمت الدعوة بالمنعة أول مرة، فقامت الدولة الإسلامية الأولى، وما ذلك على الله بعزيز. أما وقد أوشك خطنا أن يتقاطع مع خطكم، فإننا نبشركم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، ليكون ذلك القول الطيب دافعا لنا ولكم، ومبشرا لنا ولكم، ومن أصدق من الله حديثا.
التاريخ:21/12/2012 | الخطيب/المناسبة:الشيخ عصام عميرة _ خطبة الجمعة 7/صفر/1434 هـ

No comments:

Post a Comment